في ثمانينيات القرن الماضي كانت شركتي في أبوظبي تمثل شركة “يمبخة فيركة” النمساوية التي كانت تنتج مكائن تستخدم في الري بغرض الزراعة الصحراوية. وانتشرت تلك المكائن في الجزيرة العربية والعراق وسوريا واليمن، وبسبب عددها الكبير، كانت شركتي تطلب من الشركة النمساوية دوريًا قطع غيار بمبالغ كبيرة.

 p4

في صيف العام 1984، طلب جوجي، المدير الهندي لشركتي، قطع غيار مستعجلة من “يمبخة فيركة” بالطائرة. وصلت الطلبية من تركيا عوضًا عن النمسا. واكتشف جوجي الفطن، عبر صلاته الهندية، مصدر الطلبية في تركيا. لقد كانت الشركة النمساوية تصنِّع في تركيا، وتبيع الماكينة لنا صناعة نمساوية… باختصار كانت الشركة النمساوية تغشّنا.

2dc61395bbe0aec30f54c8c78393d265-1

بعد اكتشاف جوجي المصنع التركي كان لدينا طلبية قطع غيار من ”يمبخة فيركة” قيمتها مليوني دولار ماطلنا في فتح الاعتماد المستندي لها، وفي هذه الأثناء حصل جوجي على هاتف الشركة المُصنِّعة في تركيا. هاتفت الشركة في اسطنبول، فردّ المدير ياسف يواف، وهو اسم يهودي، فعرّفت عن اسمي وشركتي، وسألت ياسف إن كانت شركته تصنِّع ماكينة الديزل. أجاب بنعم. قلت لياسف إنّي سأتوجه إلى مطار أبوظبي لألحق طائرة منتصف الليل إلى اسطنبول، “أراك غدًا.” أجابني ياسف، “هوس جلدِنيز!” (أهلا وسهلا بالتركي).

Made in Turkey

وصلت صباح الخميس إلى اسطنبول برفقة زوجتي، وتوجهت إلى شركة “تكنيكال”، استقبلني ياسف وشريكه حاسد، وهو يهودى تركي. قلت لياسف إنه لديّ طلبية مستعجلة لقطع غيار ماكينة الديزل كبيرة، وناولته قائمة الطلبية. نظر إلى الطلبية ثم نظر في وجهي قائلًا: “طلبيتك جاهزة للشحن فورًا، فلقد أعددناها لشركة ‘يمبخة فيركة’ النمساوية منذ شهرين ولم تطلبها بعد.”

– “وكم ثمنها؟!

– أجابني ياسف: “خمسمائة ألف دولار.” (“يمبخة فيركة” كانت تبيعها لنا بأربعة أضعاف السعر التركي).

– قلت لياسف: “أنا أشتريت، وأريد شحنها بالطائرة فورًا، فلديّ التزام متأخِّر لتوريد الطلبية للبلدية.”

طلب مني ياسف أن أذهب إلى الفندق مع زوجتي لارتاح من عناء السفر، بينما سيرتّب هو شحن طلبية قطع الغيار إلى أبوظبي. وقبل مغادرتي، أوصاني ياسف أن انتظره وزوجتي لكي نتعشى سويًا.

c4209

وفي السابعة مساء اتصل ياسف من بهو فندقي طالبًا إليّ النزول مع زوجتي للذهاب للعشاء خارج الفندق. سألته عن شحنة قطع الغيار، فأجابني قائلًا، “كل شيء مرتب، لا تقلق.” وأثناء العشاء، سألته عن شحنة قطع الغيار، فأجاب: “هناك طائرة صينية تفرِّغ الآن حمولتها في مطار اسطنبول وتعود فارغة إلى أبوظبي. أجَّرت هذه الطائرة لشحن طلبيتك، وستصل إلى مطار أبوظبي غدًا الجمعة عصرًا. ولذلك عليك المغادرة الليلة لتستلم الشحنة.”

– أجبته: “لكني لن أقدر على دفع ثمن الطلبية لا اليوم ولا غدًا لأن الجمعة هو العطلة الأسبوعية في أبوظبي.”

– “لا تحمل همًّا. المهم أن تفي بالتزماتك وتورِّد قطع الغيار للحكومة.”

قلت له مستغربًا: “أنت لا تعرفني، وهناك احتمال أن أستلم الشحنة غدًا، وألا أدفع، فتخسر أنت خمسمائة ألف دولار.”

– التفت ياسف إلى زوجتي قائلًا: “زوجك عازمٌ على أن يخرب الجلسة بالمال… أنا متأكد أني لم أخطئ في تقدير ابن العم عدنان بيه.”

teknikel-home-logo1401270520

ومن المطعم للفندق ثم المطار. استلمت الشحنة يوم الجمعة في أبوظبي بالفعل. وسلّمها جوجي السبت إلى البلدية. وحوّلت لياسف ثمن الشحنة، واستلمها هو يوم السبت في اسطنبول.

هاتفني ياسف قائلًا: “استلمت ثمن الطلبية. كنت على حق في رهاني عليك. كان أجدادنا يرتبطون بكلمة. علينا الحفاظ على قيم جدّنا إبراهيم الذي وفّى يا ابن عمي.”

عدنان الخياط

Leave a comment